لم يعرف التاريخ الإسلامي دولة شيعية إسماعيلية غير دولة الفاطميين التي نشأت في الشمال الأفريقي (المهدية، تونس) بمساندة قبائل أمازيغية ككتامة وصنهاجة في منطقة القبائل الجزائرية ومكناسة في المغرب الأقصى.
غير أن تطور المذهب الشيعي في الشمال الأفريقي سبق بكثير تكون هذه الدولة، فالإمارة الإدريسية التي سبق ذكرها كانت شيعية وإن لم يكن تشيعها توسعيا، كما أن المغرب الإسلامي كثيرا ما عاش قبل الفاطميين على وقع الدعوة الشيعية المتسترة بما فيما ذلك دعوة الشيعة الزيدية.
وكما كان الأمر بالنسبة لاعتناق بعض الأمازيغ مذهب الخوارج، كان الدافع في اعتناق بعضهم الآخر المذهب الشيعي سياسيا محضا ويتلخص في الرغبة في الحفاظ على استقلاليتهم تجاه مركز الخلافة والتهرب من وطأة جبايتها عليهم (10).
وقد أحدث التشيع الفاطمي ثورة مذهبية لا يستهان بها في المغرب الإسلامي، إذ قضى على بقايا الخارجية ودخل في صراع مرير مع المالكية. لكن سرعان ما أدى تصلب الفاطميين المذهبي إلى نشوب ثورات أمازيغية كثيرة "تم تحضيرها معنويا من قبل فقهاء المالكية وساندهم في ذلك كل ضحايا الجباية الفاطمية التي اشتدت وطأتها على أهالي الشمال الأفريقي" (11).
وقد دفعت هذه القلاقل الخلافة الفاطمية إلى نقل مركزها إلى المشرق وتم ذلك بعد الاستيلاء على مصر وبناء مدينة القاهرة (969). وكان لتحول عاصمة الفاطميين إلى القاهرة آثار كبيرة، فمن جهة استعاد الشمال الأفريقي استقلاليته تحت إمرة بني زيري التي كانت تدين بولاء اسمي لا غير للفاطميين. ومن جهة أخرى فتح رحيلهم الباب لعودة المالكية إلى ربوع المنطقة.