شرح كتاب ابن عاشر

الصلاة والسلام على سيدنا محمد مفتاح الفرج والمنجي من الضيق و الحرج صلاة تنزع عنا بها الكرب والمرض وتشفنا من الغضب صلاة تنجنا من
الزلال قبل قدوم الأجل
السلام عليكم والرحمة الله وبركاته
و أشهد أن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة مالها حدود وأشهد أن محمدًا عبده و رسوله أشرف ما في الوجود

يسروني اليوم ان ارفع لكم هذا الشرح الطيب

الشيخ الإمام العلامة أبو محمد عبد الواحد بن علي بن عاشر الأنصاري نسبا الأندلسي أصلا الفاسي منشئا و دارا
كان رحمه الله عالما عاملا ورعا متفننا في علوم شتى قرأ القران الكريم أتقن علم القراءات على مشاهير المقرئين في زمنه وأتقن علوم اللغة من نحو وصرف وبيان وبلاغة عن أكبر مشايخ عصره وأخذ علم الحديث و التفسير وفقه العبادات و المعاملات عن حاضرة فاس في ذلك العصر وكان رحمه الله ذا معرفة بالقراءات وتوجيهها و النحو التفسير والإعراب و الرسم والضبط وعلم الكلام و علم الأصول و الفقه والتوقيت و التعديل و الحساب و الفرائض وقد حج وجاهد واعتكف
وقد ألف رحمه الله تأليف كثيرة منها المنظومة التي بين أيدينا و هي عديمة المثال في الاختصار و كثرة الفوائد والتحقيق و موافقة المشهور ومحاذاة (مختصر الشيخ خليل) وقد جمعت بين أصول الدين و فروعه من توحيد وفقه وتصوف بحيث أن من قرأها و فهم مسائلها خرج قطعا من دائرة التقليد المختلف في صحة إيمان صاحبه وأدى ما أوجب الله عليه من تعلم من علم الواجب وقد عم نفعها في العالم الإسلامي عامة وبصفة خاصة في أفريقيا ومن أهمية هذه المنظومة أنها كانت مقررة في أشهر المعاهد الإسلامية :في القرويين في فاس و الزيتونة في تونس والأزهر في مصر لطلاب السنة الأول في علوم الدين ومما يشاع عند عامتنا حول هذه المنظومة قولهم __ من لم يعرف ابن عاشر ما عند باش يقاشر __ وقد توفي رحمه الله يوم الخميس الثالث من شهر ذي الحجة سنة آلف و أربعين هجرية 1040.ودفن بفاس ( المغرب الأقصى) وجازى الله عنا صاحب هذه المنظومة عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأسكنه فسيح جنته مع عباده الصالحين اللهم أمين والحمد لله ربي العلمين
يقول الشيخ هذا النظم الذي نظمته لا يفي بالهدف الذي أرمي إليه وهو بيان علم التوحيد وعلم الفقه وعلم التصوف غير أن ما ذكرته باختصار يكفي للمبتدئين مثل ما ذكرت في أوله بحيث تفيد الأمي .أبياته ثلاثمائة وأربعة عشر عدد الرسل تبركا بهم وقد سميت هذا النظم المرشد المعين على الضروري من علوم الدين أي يرشد العامة على معرفة الضروري اللازم من مبادي دين الإسلام وإني أسأل الله أن ينفع به قارئيه بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد العالمين
ولقد قام بشرح الأخ الفاضل الأستاذ خالد قويدري هذا النظم نظرا للحاجة الملحة في أوساط طلبة العلم الشرعي بطلب من بعض زملائه وأصدقائه من العلماء الذين ذكر أسمائهم في هذا الشرح وقد عنونه بالمنهج المبين
في شرح منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين
المقدمة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه و التابعين

يقول عبد الواحد بن عاشر مبتدئا بسم الإله القادر
الحمد لله الــذي علمـنا من العلوم ما به كلفنـا
صلي وسلــم على محمد وآله وصحبه والمقتدى

هنا قدم الناظم نفسه باسمه المشهور به وهو عبد الواحد بن عاشر والسنة أن يبدأ في كل أمر ذي بال بالتعويذ من الشيظان الرجيم و البسملة و الحمدلة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه و المقتدين بسنته
وفي حمد لله تعالى ذكر نعمة العلم الذي علمه الله حيث علمه وكلفه بتبليغ هذا العلم ثم بدأفي تقديم مايريد تقديمه للمتعلمين الذين يطلبون مستعينا بالله . فقال
وبعد فالعون من الله المجيد في نظم أبيات للأمي تـفيــد
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد الســـالك

شرح الناظم القصد من نظم هذه الأبيات التي من الشعر الرجز فقال القصد من نظم هذه الأبيات هو إفادة الأميين و المبتدئين في علوم الدين أن أقدم لهم المعلومات ومعارف في علو التوحيد و العقائد وما يجب أن يعتقد المسلم في ذات الله وصفاته ومعرفة الرسل عليهم الصلاة والسلام على مذهب الإمام الأشعري ومعرفة فقه العبادات على مذهب مالك ومعرفة علم التصوف على مذهب الجنيد وبعبارة أخرى أن يعرف المبتدئين الإيمان والإسلام و الإحسان ثم شرع في تفصيل ما أراد تعليمه للمتعلمين فبدأ بالعلم الأول :
أقسام الحكم العقلي .فقال

مقدمــــــة لكـتاب الاعـتقاد معينــة لقارئـها على المــراد
وحكمـــنا العـــقلي قضية بلا وقف على عـــادة أو وضع جلا
أقـــــسام مقتضاه بالحصر تماز وهي:الوجوب الاستحالة الجواز
فـــواجب لا يقبل الـــنفي بحال وما أبى الثبوت عقلا المحــال
و جــــائزا ما قبل الأمرين سم لضروري و النظري كل قسـم

يقول الناظم إن هذه المقدمة تعين قارئها على معرفة علو التوحيد وبما أن معرفة الله جل جلاله و معرفة صفاته تعتمد على العقل والإدراك و الفهم فبالعقل نستطيع أن نحكم على الشيء ونبين أنواع الحكم فيه مثل إثبات الشيء أو عدمه إما عن طريق العادة والتجربة مثل النار تحرق أو عن طريق الشرع وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبرائيل عليه السلام من عند ربه والحكم بالعقل أو العادة أو الوضع اما أن يكون وأجبا أي لا يقبل النفي أو مستحيلا لا يقبل الإثبات أو جائرا وهو ما يقبل النفي و الإثبات معا أي يمكن إثباته ونفيه تأمل أو تفكير ونظري وهو ما يدرك بعد تأمل وتفكر ثم يبين ما يجب على المكلف معرفته من الدين. فيقول

أول واجب على من كلفا ممكنا من نظر أن يعرفا
الله والرسـل بالصفـات مما عليه نصب الآيـات
و كل تكلف بشرط العقل مع البلوغ بــدم أو حمل
أو بمني أو بإنبات الشعر أو بثمان عشرة حولا ظهر
منهوالمكلف؟
المكلف ,لغة هو الذي يؤمر بفعل أو ترك شيء فيه كلفة و مشقة وشرعا المكلف هو الراشد أي العاقل البالغ الذي يستطيع أن يعرف و يدرك من هو الله وما هي صفاته ومن هم الرسل وما هي صفاتهم ورسالاتهم ومعرفة الأدلة على ذلك وتكون عن عن طريق العقل و التأمل
شروط التكليف هي
أولا:العقل فلا تكليف على مجنون
ثانيا:البلوغ وهو خروج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة وعلامات البلوغ خمس.اثنان منها للمرأة فقط هما.دم الحيض والنفاس واثنتان تشترك فيهما المرأة مع الرجل وهما .خروج المني ونبات الشعر وإذا لم تظهر هذه العلامات فبلوغ ثماني عشرة سنة يكون التكلف واجبا وزاد بعضهم من علامات البلوغ خشونة الصوت وفرق أرنبة الأنف ورائحة الإبطين

الفصل الاول
كتاب أم القواعد وما انطوت عليه من العقائد
ويسمى هذا الباب بأم القواعد وهي الشهادة – أشهد أن لا إله إلا الله و ان محمدا رسول الله وما تحتوي عليه العقائد التي يجب على المكلف معرفتها فيقول
صفات الله الواجبة
يجب لله. الوجود والقدم كذا البقاء و الغنى المطلق عم
وخلفه لخلقه بلا مـثال و وحدة الذات ووصف الفعال
و قدرة إرادة علم حـياة سمع كلام بصر ذي واجبات

فأول صفات الله جل جلاله الواجبة لذاته تعالى هي الوجود فالله موجود في ملكه يتصرف فيه كما يشاء وهو قديم في وجوده وباق فلا أول لوجوده ولا اخر لبقائه (فهو الأول والأخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شيء عليم)
ومع وجوده وقدمه وبقائه فهو غني عن المكان و الزمان فلا يحتاج لمكان يأويه ولا زمان يتصرف فيه فهو خالق الزمان و المكان فغناه عام ومطلق والله جل جلاله مخالف لكل مخلوقاته في ذاته وفي أفعاله وفي صفاته فهو منفرد في ملكه لا يشبهه مخلوق ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
مثل ما يقال ( كل شيء أتي في بالك مخالف عن ذلك) وهو واحد لا ثاني له ولا شريك يشارك ملكه واحد في ذاته لأتشبه ذاته ذوات المخلوقات فهو خالق كل المخلوقات وحيد في صفاته و في أفعاله هذه الصفات الست التي تتصف بها ذات الله تعالى وهي. الوجود و القدم و البقاء و الغنى المطلق و مخالفة الحث و وحدانية الذات ومن الصفات القائمة بذاته تعالى القدرة و الإرادة و العلم و الحيات و السمع و البصر و الكلام وتسمى هذه صفات المعاني فالله هو القادر وليس لقدرته حدود يخلق ما يشاء بإرادته غير مكره ( وربك يخلق ما يشاء ويختار)
وعالم بكل الموجودات التي أوجدها بقدرته و إرادته وهو حي لا يموت ولا يعتريه الفناء أو النقص و السمع والبصر و الكلام صفات قائمة بذاته تعالى فهو يسمع ويرى بغير أذان ولا عيون لأن هذه الجوارح من خصائص المخلوقات ولا في الصفات ولا في الأفعال لأنه خالقها وهو متكلم لكن الكلام صفة قائمة بذاته ليس كلامه بلغة ولا بحروف ولا برموز و إنما هو وحي يوحيه لمن يشاء من مخلوقات وهذه الصفات يجب على المؤمن الإمان بها إيمانا كاملا جازما لا يعتريه شك ولا ظن قال لموسى واخيه (انني معكما أسمع و أرى)لأن السمع و البصر صفتان قائمتان بذاته تعالى

الصفات المستحيلة في حق الله

ثم بين الناظم أضداد هذه الواجبة فقال:

ويستحيل ضد هذه الصفات العدم الحدوث ذا للحادثات
كذا: ألفنا والافـتقار عــــده و أن يماثل ونفي الوحـــدة
عجز كراهة وجهل وممات وصمم وبكم عمه صمَات

بعد أن بين الناظم الصفات الواجبة في حقه تعالى، شرع يبين الصفات المستحيلة

فقال:يستحيل في حقه جل وعلا

العدم - الحدوث- الفناء- الافتقار- مماثلة الحوادث- التعدد - العجز- الكراهية أو الإكراه – الجهل – الممات – الصمم – البكم – العمى

هذه الصفات لا تليق بذات الله تعالى فليس معدوما فهو موجود،وليس حادثا فهو قديم ،وليس بفان فهو باق،ولا يشبه مخلوقاته،فهو مخالف للحوادث،وليس له شركاء في ملكه وتصرفاته فهو واحد..وليس بالعاجز فهو قادر،وليس بمكره فيما يريد ،وعلمه عام (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وإذا كان موجودًا وقديمًا وباقيًا فهو حي وليس بميت وإذا كان عالمًا بكل ما في ملكه فهو ليس بالأصم ولا بالأعمى ولا بالأبكم الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم
إذا فالواجبات في حقه تعالى ثلاثة عشرة صفة و المستحيلات أضدادها كذلك فالواجب معناه ثابت الوجود عقلا، والمستحيل معناه منفي الوجود عقلا، وإذا قلنا هناك صفات واجبة وصفات مستحلية في حقه تعالى فماذا بين الواجب والمستحيل ؟ الذي بين الواجب والمستحيل هو الجائز، يعني يمكن وجوده ويمكن نفيه

ويعرفه الناظم فيقول:

يجوز في حقه فعل الممكنات بأسرها وتركها في العدمات

معنى هذا أن الله يجوز في حقه فعل كل ممكن حدوث وجود عقلا أو عدم حدوثه ووجوده عقلا فالله غير مكره على ما يفعل ، بل يفعل ما يريد متى يريد فيقول(يعذب من يشاء و يغفر لمن يشاء، و يؤتي الملك لمن يشاء،ويعز من يشاء و يذل من يشاء) و الممكنات هي الأفعال التي يقبل حدوثها عقلا ولا تدخل في الوجبات ولا في المستحيلات
وبعد هذه الصفات الواجبة و المستحيلة و الجائزة في حقه تعالى ينتقل الناظم الى الإتيان بالأدلة و البراهين على ثبوت هذه الصفات:

.../...