كان لتضعضع سلطة الموحدين في ربوع المغرب الكبير آثار على منظومة التعليم الديني، إذ أفلتت من رقابة الدولة ما سمح بتطور المالكية والصوفية. وقد شجع الكثير من ولاة الموحدين الطرق الصوفية محاولين استغلال تعلق الأهالي الأمازيغ بها لإضفاء الشرعية على نفوذهم الذي تزايد بعد تفكك أوصال الإمبراطورية الموحدية وبلغ حد الاستقلال بولاياتهم (الحفصيون في تونس والزيانيون في الجزائر والمرينيون في المغرب الأقصى).
ولم تكن الصوفية المدرسة في الزوايا مذهبا بديلا عن المالكية, بل كانت تعتبر نفسها مكملا روحيا لها. وكما يقول بول بالتا "المالكية استوعبت بشكل واقعي التقاليد الشعبية المتجذرة في الحياة اليومية للأمازيغ خاصة تقديس الأولياء الصالحين، وهذا ما يفسر أيضا تبنيها من قبل جزء من سكان أفريقيا السوداء".
وهكذا فتح تلاشي السلطة الموحدية ومذهبها صفحة التعايش بين المذهب المالكي والصوفية والتقاليد الشعبية في مجمل المجموعات البربرية غير الإباضية وبدأت الزوايا (الطرق) في الازدهار.
ومن أقدم هذه الطرق الزاوية الشاذلية التي ولد مؤسسها بتونس عام 1196 والزاوية العيساوية التي نشرها في الجزائر محمد بن عيسى (1465-1524) والزاوية الدرقاوية التي أسسها بالمغرب مولاي درقاوي الإدريسي (1760-1823).
ولم يسع الأتراك في الجزائر وتونس إلى حمل الأهالي على اتباع مذهبهم الشافعي، خاصة أن سلطتهم كانت عسكرية بحتة لا يعني لها الولاء للباب العالي شيئا غير دفع الضريبة له. كما أن الاحتلال الفرنسي لبلاد المغرب الكبير لم يقض على التوازن بين الصوفية والمالكية والتقاليد الشعبية.
ويمكن القول إن مقاومة الشعوب المغاربية للاحتلال كثيرا ما تمت تحت راية الزوايا الصوفية، ويصدق ذلك على المجموعات الناطقة بالعربية (ثورة الأمير عبد القادر التي ساندتها الزاوية القادرية) والمجموعات الناطقة بالأمازيغية (ثورة 1870 في بلاد القبائل التي قادتها الزاوية الرحمانية).
وقد حاول الفرنسيون استعمال الزوايا للتمكين لسلطانهم في بلاد المغرب ونجحوا في ذلك لبعض الوقت، لذا يمكن اعتبار نضال جمعية العلماء المسلمين ضد "الطرق" الصوفية في الجزائر بالأساس نضالا ضد استعمال السلطة الاستعمارية لهذه الطرق وإن كان من جهة أخرى نضالا ضد "البدع" يندرج في سياق نضال الحركة الإصلاحية في المشرق (جمال الدين الأفغاني ورشيد رضا وغيرهما) من أجل تخليص التفكير الديني من شوائبه الخرافية.
بيد أن خضوع الزوايا في الجزائر للسلطة الاستعمارية لم يمنع بعضها من أن تتحول إلى مراكز استعملتها جبهة التحرير الوطني لنشر نفوذها بين الأهالي خلال الحرب التحريرية (1954-1962).