منتديـــــات علي بن خـــــــزان
مرحبا بك عزيزي الزائر في منتديات علي بن خزان. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
منتديـــــات علي بن خـــــــزان
مرحبا بك عزيزي الزائر في منتديات علي بن خزان. المرجوا منك أن تعرّف بنفسك و تدخل المنتدى معنا. إن لم يكن لديك حساب بعد, نتشرف بدعوتك لإنشائه
منتديـــــات علي بن خـــــــزان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فؤاد من باريس
عضو ذهبي
عضو ذهبي



ذكر عدد الرسائل : 694
العمر : 53
الموقع : sultan org/a
المزاج : ابتسامة
أعلام الدول : كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل Female11
تاريخ التسجيل : 23/04/2010

بطاقة الشخصية
أ:

كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل Empty
مُساهمةموضوع: كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل   كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل I_icon_minitimeالجمعة مايو 07, 2010 6:18 pm

حديث الضرير في التوسل
من كتاب
حجة الأصولي الألسن في كشف ما التبس من محاضرتي محمد الحسن/ محمد مفتاح ابن صالح

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله القائل: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) والقائل: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْـــتُـــمُونَ مَا أَ َنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّانَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِـــتَابِ أُوْلَـئك َ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) والقائلSad وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْـــتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وصلى الله على النبي القائل :« عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجلُ يَصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا وإياكم والكذبَ فإن الكذبَ يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابا » رواه الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا النسائي عن ابن مسعود.
والرضى عن أصحابه الميامين, وعن أهل بيته الطاهرين, وعن الإمام الذهبي حيث قال في مقدمة الميزان (1/6): إنّما يضر الإنسانَ الكذبُ والإصرارُ على الخطإ والتجري على تدليس الباطل , فإنّه خيانةٌ وجِنايةٌ والمرءُ المسلم يُطبع على كل شيء إلا الخيانةَ والكذبَ.
وبعد فقد كنت أفردت بحثا في تصحيح بعض أحاديث وآثار التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم تتبَّعتُ فيه طُرُقَها وبينتُ أحوال رجالها جرحًا وتعديلًا, ومن بين تلك الأحاديث حديثُ الضرير الذي هو من أصحها وأصرحها دلالة في التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم وبجاهه. وحديث الضرير هو: ما رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والترمذي في سننه (5/229) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص 204 ـ205) وابن ماجه (1/441) واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه (2 /225) وعبدُ بنُ حُميدٍ في مُنتخَبِ مسنده (رقم 379) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) والحاكم في المستدرك (1/313 ,519) وصحّحه ووافقه الذهبي و أخرجه البيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) و ابن أبي حاتم في العلل (3/229) : كلُّهم من طريق شُعبةَ عن أبي جعفر- وهو المدني الخطمي عمير بن زيد - عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أنّ رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :ادع الله لي أن يعافيني. فقال: إن شئتَ أخَّرتُ وهو خيرٌ لك وإن شئتَ دعوتُ, فقال ادعه، فأمره أن يتوضَّأ فيُحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمدُ إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في».
قال الترمذي ـ كما في بعض نُسخ سُننه ـ: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غيرُ الخطمي, وفي أكثر النُّسَخ أنه قال : وهو الخطمي .
زاد شُعبةُ في روايته عند أحمد وابن خزيمة والحاكم: «وشفعني فيه» لكنه نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمدٍ وابنِ خزيمة وقال شعبة أيضاً في روايته عند البيهقي في الدلائل:«وشفعني في نفسي», بدل:«وشفعني فيه».
و رواه الإمام أحمد في المسند (4 /138) والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص204) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبى خيثمة في تاريخه ـ حسبما نقله ابن تيميّة في قاعدة (ص99) وفتاويه (1/275) ـ : كلهم من طريق حماد بن سلمة عن أبي جعفر- وهو أيضًا الخطمي- عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه . زاد حمادٌ في روايته عند ابن أبي خيثمة " ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مثلَ ذلك أو قال " فُعِلَ مثلُ ذلك " على نقل ابن تيميّة في قاعدته وفتاويه.
ورواه النسائي في العمل (ص 205) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي جعفر – وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة رضي الله عنه عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في رواية النسائي: «شفعه في وشفعني في نفسي ». وزاد أيضاً : فرجع وقد كُشف له عن بصره.
ورواه ابنُ السُّنِّي في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/625) وصحح إسناده وأقره الذهبي وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/167): كلهم من طريق روح بن القاسم عن أبي جعفرٍ– وهو أيضا الخطمي – عن أبي أمامة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه, وقال روحٌ في جميع رواياته: " وشفعني في نفسي".
وروى البيهقي في الدّلائل (6/167-168) والحافظ عبد الغني في الترغيب رقم 91 والطبراني في الدعاء (2/1290) وفي الكبير (9/17-18) وفي الصغير (1/184) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له فكان عثمان رضي الله عنه لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف رضي الله عنه فشكا ذلك إليه فقال عثمان بن حنيف رضي الله عنه: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك, ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة. وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلَّمتَه في، فقال عثمان بن حنيف رضي الله عنه: ما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير البصر فشكا إليه ذهاب بصره... فذكر الحديث باختصار.
محاضرتا محمد الحسن ابن الددوْ
فلما فرغتُ من تتبُّع طُرُق هذا الحديث وزياداتِه وأحوال رجال أسانيده وتيقَّنتُ كُلَّ التَّيَقُّنِ صِحتَه سندًا ومتنًا, اتفق لي أن سمعتُ محاضرتين في شريطين بصوت المُحاضر الفقيه المحدِّث: محمد الحسن ابن الددوْ المعروف في قطرنا الموريتاني وغيره, وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه , ضَعَّف فيهما هذا الحديثَ, فرأيت أنه من الواجب علي ـ إحقاقاً للحق ـ أن أبين صحة هذا الحديث الذي ضعفه المحاضر من خلال كلامه في المحاضرتين.
أما المحاضرة الأولى فقد سُئل فيها عن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, فأجاب بأن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبيِّنه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمته ولم يعلمهم إياه, ثم أورد أن هذا الحديث هو عمدة من يجنح إلى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, وذكر أنَّ الراجح فيه عدمُ الصحة- وإن كان قد صححه كثير من أهل العلم- ثم شرع يُعدِّدُ العلل القادحة - عنده – في الاحتجاج بهذا الحديث فقال:
العلة الأولى: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه, (قال) وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبي جعفر: وليس الخطمي (قال): فأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروفٌ. والحديث إذا كان في إسناده مجهول لا يصح الاحتجاج به.
العلة الثانية: أنّ هذا الحديث فيه أن عثمان احتجب, والخلفاء الراشدون لم يُعرَف أنَّ واحداً منهم قد احتجب عن الناس.
العلة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفعني فيه وشفعه فِيَّ ", فكيف يُريد الرجل أن يشفع في النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا حُمل ذلك على أنَّ معناه: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر فيكون هذا من التوسل بدعائه لا بشخصه والتوسل بدعائه غير محل خلاف أصلاً .
العلة الرابعة: ما وجدناه في سنن النسائي, وعادة النسائي رحمه الله إذا كان الحديث مُختلَفاً فيه على الراوي أن يأتي به من الوجه الذي اختُلِفَ فيه على الراوي بعد ذكره الأَوَّلَ, فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عُمارة بن خزيمة بن ثابت, ثم أورده بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, وقد بحثتُ عن عُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال فلم أجد له ذكرًا, إلا ذكرًا لا يُبشِّرُ بخير, فإذن هذا الحديثُ الذي اعتمدوا عليه في إباحة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ ضعيفٌ لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج. هذا كلام المحاضر في أولى محاضرتيه.
وأمّا المحاضرة الثانية فقد أورد فيها بعضَ المسائل, منها أنّ الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد, ومنها أنّ الذين صححوه توهموا أن أبا جعفر هو الخطمي, ومنها أنَّ مالكاً أخرج في الموطإ أن فِتيةً من الأنصار تَعاقَرُوا الخمرَ في المدينة فقتلوا أحدهم فرفع مروانُ أمرَه إلى معاوية فأمره أن يقتاد له منهم, وقال بأن ابن حزم ذكر في المُحلَّى أن المقتول عُمارة بن زيد بن ثابتٍ وأنه ليس بحُجَّةٍ إذا كان هو الذي قُتِلَ في معاقرة الخمر.
الَّلبسُ في المحاضرتين.
لقد اشتملت المحاضرتان على أربعةَ عشر لَبسًا, نُوردها مفصَّلةً كما يلي:
1.- قوله: بأن التوسل بذات النبي وبجاهه لم يبينه صلى الله عليه وسلم.
2.- قوله: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إليه أمته.
3.- قوله: بأنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمهم إياه.
4.- قوله: بأن هذا الحديث هو عمدة من يجنح إلى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, وهذا غير صحيح أن فيه أحاديث أخرى صحيحة ذكرتها في البحث المشار إليه آنفا.
5.- قوله: بأن الراجح في هذا الحديث عدم الصحة.
6.- قوله: بأن أبا جعفر مجهول.
7.- قوله: بأن الترمذي قال عن أبي جعفر: وليس الخطمي.
8.- قوله: بأن في هذا الحديث أنّ عثمان احتجب مع أنّه اقتصر على رواية الترمذي وليس فيها ولا في شيء من روايات أصل الحديث ذكرٌ لعثمان بن عفان أصلا.
9.- قوله: بأنّ الخلفاء الراشدين لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب.
10.- قوله: بأنّ النسائي روى هذا الحديث في سننه عن عُمارة بن زيد بن ثابت.
11.- قوله: بأنّه وَجد لعُمارة بن زيد بن ثابت ذِكرًا في كتب الرجال.
12.- قوله: بأنّ هذا الحديث ضعيف لا يصل إلى مرتبة الاحتجاج.
13.- قوله: بأنّ الذين صححوه توهَّموا أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
14.- نسبته المُعاقرة للموطإ وليست فيه.
كشف ما التبس من المحاضرتين
أمّا قولُهSmile بأنَّ التوسُّل بذات النَّبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه لم يبينه النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يرشد إليه أمّته ولم يعلِّمهم إيَّّاه) فالصحيحُ عكسُه لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن وعلَّم التوسُّل به للضرير وأرشده إليه في هذا الحديث الذي ذكرت آنفا أني بينت صحّتَه بالأدلَّة الواضحة, ولقد تقرَّر في قواعد الأصول أنَّ العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه وأنَّ تبيينه وإرشاده و تعليمه لفرد من أفراد الأمّة تبيينٌ وإرشادٌ وتعليمٌ لعمومها إلاّ إذا ثبت نسخٌ أو تخصيصٌ وهيهات أن يَثْبُتَ النَّسخُ أو التَّخصيصُ لهذا الحديث , فقد قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد (5/42): لا خلاف بين علماء أهل الأثَر والفقه أن الحديث إذا رواه ثقةٌ عن ثقةٍ حتى يتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أنّه حُجَّةٌ يُعمَلُ بها إلا أن ينسخه غيرُه. ثم قال في الجزء نفسه (ص220): فضائله صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان.
وأما قوله: (العلة الأولى: أنه من رواية شُعبةَ عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت) ففيه لَبسٌ واضحٌ وتهرُّبٌ من مواطن التحقيق لأنه أوهم به أنّ الحديث ليست له روايةٌ مُعتَبَرَةٌ غير رواية شُعبة, وهو خلاف الواقع، فقد سبق أن بيَّنتُ في هذا البحث أنّ له ثلاث روايات أخرى غير رواية شعبة هي: رواية حماد بن سلمة ورواية هشام الدستوائي ورواية روح بن القاسم, وكل واحدة منها تثبته على انفرادها فكيف بهن مجتمعات؟.
وأما قوله: ( وأبو جعفر هذا مجهول ولذلك قال الترمذي عن أبى جعفر: وليس الخطمي). فهو قول مردود من ستة أوجه:
أولها: أنّ أبا جعفر الخطمي هذا وإن كان لم يُعَيَّنْ في روايات شعبة عند الترمذي في السنن (رقم 3649) والنسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 664) وعبد بن حميد في منتخب مسنده (رقم 379) وأحمد في إحدى روايتيه في المسند (4/138) وفي رواية حماد بن سلمة عند النسائي في العمل (رقم 633) فقد عُيِّنَ في بقية روايات شعبة عند ابن ماجه في سننه (1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبخاري في تاريخه (6/209) والحاكم في مستدركه (1/313،519) والبيهقي في الدلائل (6/166) والبغوي في معجم الصحابة (4/246) وابن أبي حاتم في العلل (3/229)، وفي إحدى روايتيه عند أحمد في المسند (4/138) وعُيِّنَ كذلك في روايات حماد بن سلمة عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري في التاريخ الكبير (6/209) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274) وعُيِّنَ كذلك في روايتي هشام الدستوائي عند النسائي في عمل اليوم والليلة (رقم 665) والبخاري في التاريخ الكبير (6/210) وعُيِّنَ كذلك في روايات روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633)والحاكم في المستدرك (1/526) والبيهقي في الدلائل (6/167) , وقد تقرر في علم المصطلح أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق مُعتَبَر آخر حُمِلَ المُبهَمُ على المُبيَّنِ وزال الإبهامُ وارتفع الإشكالُ, وعلى هذا المنوال ألَّف الخطيبُ كتابَه: "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة" ودَرَجَ عليه كافة المحدثين أيضًا قبل الخطيب وبعده.
ثانيها: أنّ الحافظ المَزِّي في تهذيب الكمال (21/242) والحافظ ابنَ حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (6/20) عَدَّا أبا جعفر الخطميَّ هذا في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ولم يعُدَّا فيهم أبا جعفر غيره.
ثالثها: أنّ الترمذي صحّح هذا الحديث في سننه وليس من عادته تصحيحُ أحاديث المجهولين أَحْرَى إذا كانت لا تُروَى إلا من طريقهم.
رابعها: أنّ هذا المُحاضر قد غيَّر العبارة الواردة في بعض نُسخ الترمذي: ( وهو غير الخطمي) فأبدلها بقوله: ( وليس الخطمي) وأرجو أن يكون هذا التغيير وقع بدافع الخطإ والنسيان لا بدافع حاجة في النفس لأن العبارة الأصليةَ تقبل التوجيه والمبدلة لا تقبله إذ الاحتمال قد يتطرق إلى أن يكون أصل رواية الترمذي هو لفظة (عينُ ) بدلا من (غيرُ) لِطِبَاقٍ بين اللفظتين, وكذلك يتطرق إلى أن تكون لفظةSadغيرُ) قد زيدت في بعض النُّسَخ وهذا يؤيده كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي ليست فيها تلك اللفظةُ كما سياتي بيانه بإذن الله.
خامسها: أنّ الخطمي هو المدني: عمير بن يزيد وهو الذي في جميع روايات هذا الحديث كما تواطأ عليه الحُفَّاظُ حيث قال بعضهم: أبو جعفر المدني وقال بعضهم الخطمي وقال بعضهم: المدني الخطمي وقال بعضهم: المدني وهو الخطمي عمير بن يزيد ، فممن قال: (الخطمي) شعبة في روايتيه عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229), وحماد بن سلمة في رواياته عند أحمد في المسند (4/138) والبخاري وابن أبي خيثمة في تاريخيهما وممن قال: (المدني) شُعْبَةُ في رواياته عند البخاري في التاريخ الكبير (6/210) وأحمد في المسند (4/138) وابن ماجه في السنن (رقم 1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والبغوي في معجم الصحابة (4/346) والحاكم في المستدرك (1/313 , 519) وقد وافقه الذهبي على ذلك, وممن قال: ( المدني وهو الخطمي) روح بن القاسم في روايتيه عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526) وأقره الذهبي على ذلك وكذا في دلائل النبوة للبيهقي (6/167), وفي معجم الطبراني الكبير (9/17-18) وقال في الصغير (1/184) Sad أبو جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد) وممن نص كذلك على أنه الخطمي: الترمذي في سننه كما في طبعة بولاق وهي أول الطبعات وكما في طبعة دار سحنون بتونس ضمن موسوعة السنة وكما في طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1395 هـ وكما في طبعة دار الكتب العلمية سنة 1408 هـ وكذلك نسخة ابن كثير التي نقل منها في موضعين من تاريخه (6/161 , 295) ونسخة المَزِّي التي نقل منها في تحفة الأشراف (7/226) ونسخة الإمام السبكي التي نقل منها في شفاء السقام (ص: 134)، وكذلك نقل شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم وعادل مرشد وإبراهيم الزئبق ومحمّد رضوان وسعيد اللَّحام وهشيم عبد الغفور وعامر غضبان ومحمّد أنس الخن ومحمّد بركات وعبد اللطيف حرز الله, نقلوا كلُّهم في تحقيقهم لمسند الإمام أحمد ( 28/479) طبعة مؤسّسة الرّسالة عن النُّسخ الّتي اطّلعوا عليها من سنن التّرمذيّ أنّه قال بأنّ أبا جعفرٍ هذا هو الخطميّ.
وقد جزم كلٌّ من الطّبراني في الصّغير (1/184) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) وابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص 99) وفتاويه (1/275) والدَّارقطني في تعليقاته على ضعفاء ابن حبّان (ص 213) والمَزِّيُّ في تهذيب الكمال (19/359) وابن تيميّة في قاعدته (ص93) وفتاويه (1/266) والذهبي في جزء السّيرة من تاريخه (ص 364): جزموا كلهم بأنَّ الخطميَّ هو الّذي روى عنه شُعبةُ.
وصرح الألباني في توسله (ص 76، 93) بأن هذا الحديث: لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
سادسها: أنَّ لفظة: (وهوغيرالخطمي) بافتراض ثبوتها عن الترمذي يلزم الرجوع إلى بقية روايات شعبة عند غير الترمذي, ثم الرجوع إلى روايات رفيق شعبة: حماد بن سلمة, ثم الرجوع إلى روايات هشام الدستوائي وروح بن القاسم, وحينئذ نجد روايتي شعبة عند البيهقي في الدلائل (6/166) وابن أبي حاتم في العلل (3/229) مصرحتين بأنّه الخطمي، ونجد رواياته عند أحمد في إحدى روايتيه (4/138) وابن ماجه في سننه (رقم:1385) وابن خزيمة في صحيحه (2/225) والحاكم في مستدركه (1/313 , 519) والبغوي في معجم الصحابة (4/346): مصرحة كلها بأن أبا جعفر هذا هو المدني, والمدني هوالخطمي ونجد روايات حماد بن سلمة عند أحمد في مسنده (4/138) والبخاري في تاريخه (6/209) وكذا ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في قاعدة ابن تيميّة (ص98) وفتاويه (1/274): مصرحة كلها بأنه الخطمي وكذلك نجد تصريح النسائي في روايته في عمل اليوم والليلة (رقم 665) من طريق هشام الدستوائي بأنه الخطمي ونجد روايتي روح بن القاسم عند ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 633) والحاكم في المستدرك (1/526): مصرحتين بأنه الخطمي.
فتبين بهذه الحجج البالغة والبراهين الدامغة: أنّ أبا جعفر هذا هو الخطمي وأن ما زعم هذا المحاضر من جهالة أبي جعفر لا أصل له ثابتًا ولا فرع نابتًا.
وأما قوله: ( العلّة الثانية: أنّ هذا الحديث فيه أنّ عثمان احتجب), فهو مردود من وجهين: الوجه الأول: أنّ عثمان ـ وهو ابن عفان رضي الله عنه ـ لا ذكر له في شيء من طرق أصل هذا الحديث حتى يمكن إعلاله باحتجابه, وكذلك لفظُ الاحتجاب لم يرد في شيء من طرق هذا الحديث بما في ذلك طريق القصة التي في خلافة عثمان رضي الله عنه، فإن كان المُحاضر فهم الاحتجاب عن الناس من قول عثمان بن حنيف رضي الله عنه في القصة: (فجاء البواب فأخذ بيده ) فكون عثمان اتخذ بوابا لا يلزم منه دوام الاحتجاب المنهي عنه شرعا لما ثبت في الصحيحين من أنّ له صلى الله عليه وسلم بوابا اسمه رباح, ولما ثبت فيهما أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأيام, وإن كان المحاضر فهم الاحتجاب من قول عثمان بن حنيف رضي الله عنه في نفس القصة: (وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ) فقد جاء في رواية الطبراني في الصغير (1/184) وفي الكبير (9/17-18): أن ذلك وقع من عثمان رضي الله عنه بسبب النسيان حيث قال للرجل: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة.
ثم إن قول المحاضر: ( والخلفاء الراشدون لم يُعرف أنّ واحدا منهم قد احتجب عن الناس), تحكم من غير إحاطة, إذ قد ثبت في الصحيحين وسنن أبي داود (3/139) ومصنف عبد الرزاق (5/469) وتمهيد ابن عبد البر (8/163-164) وشرح السنة للبغوي (6/337) وغيرهم من رواية مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه قال: فبينما أنا جالس عنده – يعني عمر رضي الله عنه - أتاه حاجبه يَرْفَأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون, قال نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يَرْفَأ يسيرا ثم قال: هل لك في علي وعباس, قال نعم, فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا.
قلت: فهذا الأثر الصحيح مصرحٌ بأن ثاني الخلفاء الراشدين كان له حاجب, كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجب, فاتخاذ الحاجب إذن لا يلزم منه دوامُ الاحتجاب المنهي عنه شرعا.
الوجه الثاني: أنّ هذا الإعلال بالاحتجاب المزعوم فيه إدراج للقصة الواقعة في خلافة عثمان رضي الله عنه في أصل الحديث الواقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, وإدراجُها في أصله وهي متميزة عنه تاريخًا وسببًا, ثمّ إعلال أصله بها لا يُستساغ صدورُهما ممن ينتسب إلى العلم إلا عن فادح الغفلة والنسيان.
وأما قوله: ( العلّة الثالثة: أنّ في هذا الحديث " اللهم شفّعني فيه وشفّعه في) إلى قوله ( غير محل خلاف أصلا) فهو إعلالٌ باطلٌ مردودٌ بأنَّ هذه الزيادة انفرد شعبةُ بذكرها دون سائر الرواة, وهناك طريقتان للتعامل معها.
الطريقة الأولى : هيَّ حملُ الهاء في «شفعني فيه» على أنها هاءُ سَكْتٍ لتطابق معنى زيادة « فشفعه في وشفعني في نفسي» التي هي أصح زيادة وردت في هذا الحديث لثبوتها عن الحفاظ الأربعة الذين رووه عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مداره, وحينئذ فلا تَعارُضَ بين الزيادتين أصلاً لاتحادهما معنىً، وهذا هو الأولى عندي لأنَّ الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول كما بينه ابن حجرفي الفتح ج3 ص94 وج 8 ص451 وج 9 ص474 وج13 ص410., وهاءُ السَّكْتِ وردت كثيرا في القرآن وفي الأثر، من ذلك قوله تعالى في سورة الحاقة: ( هَآؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَّه إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَّهْ)، وقوله: ( يَالَـــيْـــتَـــنِي لَمُ أوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمَ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة َ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ )، وفي سورة القارعة: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ)، ومن أمثلتها في الأثر قول سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد (3/140) وأصله في صحيح البخاري: " لقد خِبْتُ إذن وضلَّ عمليَهْ" أي عملي، وكذلك المعنى في عبارة (وشفعني فيهْ) أي: فِيَّ بِيَاءِ المتكلِّم أي «شفعني في نفسي», وروايةُ حمادٍ بنِ سلمة التي ذكرها ابنُ تيميّة في قاعدته (ص99) وفتاويه (1/275) مُوضِّحةٌ لهذا المعنى لأنّ فيها " اللهم فشفّعني في نفسي وشفّع نبيّي في ردّ بصري". وبهذا تتّفق الرواياتُ كلُّها وينسجمُ المعنى ويَبطُلُ الإعلالُ من أصله,
أضِفْ إلى هذا أنّ حمل الهاء في هذه العبارة على الضمير يلزم منه أن يكون الأعمى شافعا في النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مستحيل شرعا وعقلا, أويُلجَأ إلى التأويلات البعيدة المتعسَّفة مثل ما فعل ابنُ تيميّة والألباني وتلميذُه الرِّفاعي وهذا المحاضر حيث قال ابنُ تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271,335, 336) " وشفعني فيه" أي في دعائه وسؤاله لي, وقال الألباني في توسله (ص80): أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري, وقال الرِّفاعي في توصله (ص169؛ 238): أي واقبل شفاعتي بقبولك شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي اقبل دعائي في قبول دعائه من أجل أن ترد على بصري, وقال المحاضر كما تقدم: اللهم استجب دعائي له بالاستجابة واستجب دعاءه لي بردِّ البصر.
هكذا تواردوا على هذه التأويلات البعيدة المتعسَّفة وغفلوا عن هذا التحقيق الجليّ الواضح, والعجب لابن تيميّة والألباني والرفاعي حيث صحّحوا عبارة " وشفعني فيه" وبالغوا في الاحتجاج بها في القاعدة (ص100) والفتاوي (1/266, 268؛ 270؛ 271؛ 274؛ 276؛ 277؛ 324). وفي التوسل (ص80؛ 81؛ 83) وفي التوصل: (ص168؛ 237؛ 238). دون أن يشير أحدٌ منهم إلى عِلَّةِ الشكّ التي فيها مع وقوفهم عليها, في الوقت الذي طعن ابنُ تيميّة والألبانيُّ في زيادة حمّاد بن سلمة المتقدمة التي هي: (ثم ما كانت حاجةٌ فافعل مـثلَ ذلك) أو قال (فُعِلَ مثلُ ذلك), مع أنّ العبارتين زِيدَتَا من ثقتين حافظين في متن حديثٍ واحدٍ وحمادٌ أفقه من شعبة وفِقْهُ الراوي من مرجّحات روايته كما بيَّنهُ ابنُ أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/25) والحاكم في علوم الحديث (1/11)، والخليلي في الإرشاد (1/177)، والخطيب في الكفاية (ص436)، والحازمي في الاعتبار (ص39)، والحسن بن عبد الرحمن في المحدث الفاصل (ص238)، وابن الأثير في جامع الأصول (1/62)، والسبكي في جمع الجوامع (ص 113)، وابن حجر في الفتح (1/362)، والسيوطي في شرح الكوكب الساطع (2/466)، ثم إنّ شُعبة نُقِلَ عنه الشكُّ في أصل زيادته من طريقين, وحمادٌ لم يُنقَلْ عنه قطّ شكٌّ في أصل زيادته, وروايةُ مَن جَزَمَ أرجحُ من رواية من شَكَّ كما بينه ابنُ حجر في الفتح (1/228, 2/178, 3/31, 563, 6/178, 8/5).
وأعجب من هذا أنّ ابن تيميّة في قاعدته (ص96) وفتاويه (1/271): زعم أنّ شعبة وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي قالوا في رواياتهم للحديث: (وشفعني فيه), وهذا خلاف الواقع لأنّ هذه العبارة لا توجد إلا في بعض روايات شعبة وحده وقد نُقِلَ عنه الشَّكُّ فيها من طريقين كما سبق, بل إنَّ الذي وردعن حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم, إنما هوعبارة (شفعني في نفسي), بدل (شفعني فيه), ومن العجيب زعم الرفاعي في التوصل (ص 168؛ 237؛ 238) أنّ عبارة (شفعني فيه) في سنن الترمذي, ولم أقف عليها في شيءٍ من نُسَخِ سننه التي وقفت عليها ولا أعلم أحدًا غيره نسبها إلى الترمذي قطّ.
والحقيقةُ أنَّ ابنَ تيميّة والألباني والرفاعي, وإن اعترفوا بصحة هذا الحديث المخالف لنحلتهم, فإنهم قد تعسفوا له تأويلات بعيدة, وتخبطوا في شأنه, وأما المحاضر فقد شاركهم في بعض ذلك, وشذ عنهم, وعن غيرهم بتضعيفه الحديث.
الطريقة الثانية: في التعامل مع عبارةSadشفعني فيه) هي: أن يُرجَّحَ بينها وبين عبارة (شفعني في نفسي), وحينئذ يتَّضح أنَّ عبارة (شفعني فيه) مرجوحةٌ لأن شعبة وهو الذي تفرد بها دون سائر الروات نُقِلَ عنه الشك فيها من طريقين وذلك في روايتي أحمد (4/138) وابن خزيمة (2/225)، وقال عنها ابنُ كثير في تاريخه (6/161): كأنها غلط من الراوي.
قلت: ويتأكد كونُها مرجوحةً إذا حُملت الهاءُ فيها على الضمير, مع أنَّنا لو افترضنا أنها ثبتت, لما كان ذلك قادحًا في صحة الحديث لما تقدم من كونه ثبت من دونها في ثلاث روايات أخر غير رواية شعبة. وأما قوله: ( العلّة الربعة ما وجدناه في سنن النسائي) إلى قوله ( من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت) فهو كلام مردود من أوله إلى آخره باستثناء قوله: (وعادة النسائي) إلى قوله: ( فقد أورد هذا الحديث بالرواية السابقة من رواية عمارة بن خزيمة بن ثابت ) وبيان ذلك أنّ سنن النسائي حيث أُطلقت تنصرف إلى المُجتبىَ كما هو معروف عند حُفَّاظ الحديث, وهذا الحديث ليس في المُجتبىَ إطلاقًا وإنما هو في عمل اليوم والليلة وهو في أواخر السنن الكبرى وقد طُبِعَ مستقلا عنها عدة طبعات، وهذا الحديث رواه النسائي فيه من طريق شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه ، ثم ذكر النسائيُّ أنّ شعبة وحماد بن سلمة خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فروياه عن أبي جعفر:عمير بن يزيد, ـ وهو أيضا الخطمي ـ عن أبي أمامة رضي الله عنه عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه, وهذا يعني أنّ أبا جعفر الخطمي له في هذا الحديث شيخان أحدهما عمارة بن خزيمة بن ثابت والآخر أبو أمامة رضي الله عنه وكلاهما رواه عن عثمان بن حنيف عن النبي رضي الله عنه, فكان أبو جعفر الخطمي تارة يحدث به على هذا الوجه وتارة يحدث به على الوجه الآخر, وكلا الوجهين صحيح لا مطعن فيه, ومن اعتبر هذا نوعًا من الاختلاف القادح, فقد خالف منهج المحدثين.
وأما قوله: ( ثم أورده ـ يعني النسائيَّ ـ بعد ذلك من رواية عُمارة بن زيد بن ثابت, وقد بحثتُ عن عُمارة بن زيد بن ثابت في كتب الرجال) فهو كلام مردود بأنَّ عُمارة بن زيد بن ثابت لا رواية له في شيء من كتب النسائي على الإطلاق, ولوكان هذا الحديثُ رُوِيَّ عنهُ في شيء من كتب الحديث لكان معدودا في الرواة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه وفي شيوخ أبى جعفر الخطمي، ولوكان النسائيُّ رَوَى عنه في شيء من كتبه لكان مُترجَمًا في كاشف الذهبي مع ذيل العراقي، وفي تهذيب الكمال للمَزِّي، وفي كتابي ابن حجر التهذيب, والتقريب, لأن كافة الرواة الذين روى لهم النسائيُّ محصورون في هذه الكتب, وعمارة هذا لا ذكر له في شيء منها على الإطلاق, بل لاذكر له في شيء من كتب الرجال إطلاقًا.
وأما قوله: في المحاضرة الثانية: ( بأن الحديث أخرجه الترمذي وأصحاب السنن وأحمد ) فهو حجة عليه لأن رواية شعبة عند أحمد وابن ماجه فيها التصريح بأن أبا جعفر هذا هو المدني، والمدني هو الخطمي، وكذلك رواية أحمد من طريق حماد بن سلمة - رفيق شعبة - فيها التصريح بأنه الخطمي. لكن هذا المحاضر تغاضى عن هذا كله ولم يذكر شيئا عن روايات حماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم لعلمه أنها ناسفة لدعواه.
وأما قوله: ( بأن الذين صححوا الحديث توهَّموا أنّ أبا جعفر هو الخطمي), فهو عكس الواقع، لأنهم لم يتوهَّمُوا ذلك بل تيقنوه جازمين, وصرحوا به واعتمدوه في كتبهم.
وأما قوله: ( بأن مالكًا أخرج في الموطإ أنّ فتية من الأنصار تعاقروا الخمر ) إلى قوله: ( فأمره أن يقتاد له منهم ), فهو مردود من ثلاثة أوجه:
أولها: أنّ هذا الذي أشار إليه مجرد بلاغ, والبلاغ لا تقوم به حجة كما هو معروف عند علماء الحديث, وليس هذا البلاغ من بلاغات مالك التي وصلها الحافظ ابن عبد البر في التمهيد.
ثانيها: أنّ هذه القصة التي ذكرها المحاضر, لا تصح كما قال ابن حزم في المحلى (10/421).
ثالثها: أنّ المعاقرة التي ذكر أنها في الموطإ وشنَّع بها على هذا الرجل, لم أجد ذكرها في شيء من نُسَخِ الموطإ التي وقفت عليها ولم أر من نسبها إليه غيره, وإنما رأيت فيها: عن مالك أنه بلغه أنّ مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أوتي بسكران قد قتل رجلا فكتب إليه معاوية: أن اقتله به. وذكر ابن أبي شيبة في المصنف (6/592) والبيهقي في السنن (8/42): نحوه ولم يذكر واحدٌ منهما المعاقرة ولم يذكرها أيضا ابنُ حزم في المحلى ولم يسم الرجل المقتول كما زعم المحاضر وإنما نقل تسميته عن ابن أبي الزناد حيث قال ابن حزم في المحلى (10/421): ومن طريق يحي بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد: أنّ معاوية أقاد من السكران, قال ابن أبي الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الأنصاري, والمقتول عُمارة بن زيد بن ثابت.
قال ابن حزم: وهذا لا يصح لأن يحي لم يولد إلا بعد موت معاوية, وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف, أول من ضعفه مالكٌ.
قلت: وعبد الرحمن أيضا لم يولد إلا بعد موت معاوية رضي الله عنه بأربعين سنة وبعد موت مروان بن الحكم بخمس وثلاثين سنة.
انظر تاريخ موت معاوية في تهذيب الكمال (28/179) وتهذيب التهذيب (28/179), والتقريب (2/592). وتاريخ موت مروان في تهذيب الكمال (28/389) وتهذيب التهذيب (8/111), والتقريب (1/ 335). وتاريخ ميلاد عبد الرحمن بن أبي الزناد في تهذيب الكمال (17/101) وتهذيب التهذيب (5/85) والتقريب (1/335).
وأما قوله: ( بأن عُمارة بن زيد بن ثابت ليس بحجة إذا كان هو الذي قُتل في معاقرة الخمر) فجوابه من وجهين:
أولهما: أنّ هذه القصة قد اتضح بالأدلة الواضحة أنها لا تصح لانقطاعها.
ثانيهما: أنّ عُمارة بن زيد بن ثابت تقدم أنه لا وجود له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, بل لا وجود له في شيء من كتب الرجال فكيف يأتي به المحاضرُ من عند نفسه؟
جرد الحجج المصححة للحديث
وبالجملة فإن نسبة هذا المحاضر للموطإ ما ليس فيه وتشنيعه به على هذا الرجل واحتجاجه بهذه القصّة متغاضيا عن انقطاعها, وعن تضعيف ابن حزم لها, وعن كونها أجنبيةً على هذا الحديث, وإقحامه لهذا الرجل المجهول العين والحال في سند الحديث، ثمّ إعلاله به, تعصُّبٌ مذهبيٌّ واضحٌ نتجت عنه التلبيساتُ الأربعة عشر التي سبق ذكرها في هذا البحث, والتي قابلناها بِعَدَدِهَا من الحجج القاطعة والبراهين الدامغة المصحّحة للحديث, وهي بالتفصيل:
1.- عدُّ الحفاظ لأبي جعفر الخطمي في الرواة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت وعدم عدهم لأبي جعفر آخر غيره.
2.- كون الراوي إذا أُبهِم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمِلَ المُبهمُ على المبيَّن وزال الإبهام وارتفع الإشكال.
3.- كون أكثر نُسَخِ سنن الترمذي مصرحةً بأنه قال بأن أبا جعفر هذا:هو الخطمي.
4.- تصحيح الترمذي نفسه لهذا الحديث وهو غيرُ معروف بتصحيح أحاديث المجهولين أحرى إذا كانت لا تُروَى إلا من طُرُقهم.
5.- روايتا شعبة عند البيهقي في الدلائل وابن أبي حاتم في العلل المصرحتان بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي.
6.- روايات شعبة عند أحمد وابن خزيمة وابن ماجه والحاكم والبغوي والبخاري في التاريخ الكبير المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هو المدني الذي هو الخطمي.
7.- روايات حماد بن سلمة ـ رفيق شعبة ـ عند أحمد والبخاري في التاريخ وابن أبي خيثمة المصرحة بأنَّ أبا جعفر هذا هوالخطمي.
8.- رواية هشام الدستوائي عند النسائي التي صرح فيها النسائي بأنَّ أبا جعفر هذا هو: عمير بن يزيد (الذي هو أبو جعفر الخطمي).
9.- روايتا روح بن القاسم عند ابن السني والحاكم المصرحتين بأنَّ أبا جعفر هذا هو الخطمي.
10.- تخطئة الحفاظ لتلك الرواية التي فيها أنه غيرُ الخطمي.
11.- تصاريحهم بأن الخطمي هو الذي روى عنه شُعبةُ.
12.- تصحيحهم لهذا الحديث في كتبهم واعتمادهم له.
13.- كون هذا الحديث لم يُضعفه حافظٌ قط من الحفاظ الذين خرَّجوه في كتبهم ولا من الحُفَّاظِ الذين لم يُخرِّجوه.
14.- نَقْلُ ابنِ تيميّة عن سائر العلماء أنهم قالوا: هو أبو جعفر الخطمي. وتصويبه لهم في ذلك في القاعدة (ص93) والفتاوي (1/266), واعترافُ الألباني في توسله (ص76, 93) بأن هذا الحديث لا شُبهة في سنده ولا شك في صحته.
وانطلاقًا مما سلف وتأسيسًا على ما تقدم فإن عدم اعتبار هذا المحاضر لشيء من هذه الحجج المقنعة والبراهين الدامغة, واقتصاره على تلك الرِّوايةِ البيِّنَةِ الخطإ, وإعراضه عن غيرها, وإتيانه برجل مجهول لا ذكر له في شيء من طرق هذا الحديث على الإطلاق, وإقحامه في سنده, وإعلاله به، هذه الأمورُ تصعُبُ استساغةُ صدورها من عالمٍ يحترمُ نفسه ويَتحلَّى بالأمانة العلميَّةِ.
وخلاصة القول: أنّ هذا الحديث صحيحٌ لذاته صريحٌ في دلالته على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه, ثابتٌ عنه صلى الله عليه وسلم بما تَثبُتُ به الأدلَّةُ الشرعيةُ ولا يُمكن دفعُه ولا التخلُّصُ منه بحال من الأحوال, وهو معجزةٌ ظاهرةٌ من معجزاته صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته, وقد يَتَرَتَّبُ على إنكاره وردِّه ما يترتب على إنكار المعجزة وردِّها.
وكل من يحاول دفعَه والتخلُّصَ منه فإنما يحاول ذلك بصدر التعصب والعدوان لا بيد الدليل والبرهان, وبالله التوفيق, وهو الهادي بمنه إلى سواء الطريق، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم.
تمت حجة الأصولي الألسن في كشف ما التبس من محاضرتي محمد الحسن.
ومعها تقريظ للأمين العام لرابطة علماء موريتانيا العلامة: حمدا ولد التاه، أبقاه الله ذخرا للإسلام والمسلمين (مرفق على شكل صورة).
تذييل على ماتقدم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد فإني لما أتممت هذا البحث المتقدم, أرسلته إلى المحاضر, وكان من الطبيعي أن يرجع عن تضعيف الحديث لأمرين:
أحدهما: أنَّ تضعيف الحديث ـ بعدما أوضحت من شأنه ـ أمرٌ لا سبيل إليه بحالٍ من الأحوالِ.
ثانيهما: أنَّ من شأن العلماء الرجوعُ إلى الحق والدَّوَرَان معه حيث دار, كما يوضح ذلك مافي قواعد الأحكام (ج1ص154) من قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: ما ناظرتُ أحدًا إلا قلتُ: اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه , فإن كان الحقُّ معي اتَّبعني, وإن كان الحقُّ معه اتَّبعتُه.
ويوضحه كذلك قول العلامة: محنض بابه بن اعبيد الديماني رحمه الله:
ليس من أخطأ الصواب بمخط = = إن يؤب, لا، ولا عليه مـلامهْ
حسنات الرجوع تذهـب عنه = = سيئات الخطا وتنفي الملامه
إنما المخطئ المسي من إذا ما = = ظهر الحق لج يحمي كلامه
وبعد سنواتٍ عديدةٍ فوجئتُ بتكرير المُحاضرِ بعضَ إعلالاته السابقة للحديث, مع إضافة إعلالاتٍ أخرى بعيدة كل البعد عن منهج الصِّناعةِ الحديثيَّةِ, وذلك في المقابلة التي أجرتها معه إذاعةُ موريتانيا بتاريخ: 2 محرم سنة 1429 هـ الموافق10 يناير 2008, حين سأله أحدُ المتدخِّلين عن هذا الحديث فأجابه بقوله:
الجواب أن هذا الحديث صحّحه بعض أهل العلم, ولكن هومعلل فلايمكن أن يصحح لأن مداره على أبي جعفر, فشعبةُ وغيرُه يرويه عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت, وأبو جعفر هذا غير منسوب ولامسمى فهو مجهول, ولذلك قال الترمذي في السنن عن أبي جعفر: وهو غير الخطمي, معناه أنه شخص آخر غير الخطمي, والذين صححوه على اعتبار أنه الخطمي, والخطميُّ مدنيٌّ وقد وثقه بعض أهل العلم, لكنه غير معروف بالمدينة أيضا, حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة, والحديث له علل أخرى منها ما هو راجع إلى إسناده كما ذكرنا وما هو راجع إلى متنه ففيه :« اللهم شفعني فيه وشفعه في».في بعض الروايات , معناه أنه يطلب الشفاعة في النبي صلى الله عليه وسلم , ولا يمكن ذلك, وفيه أن عثمان احتجب عن السائل ولم يلتفت إليه قبل الشفاعة, وعثمان رضي الله عنه, لم يكن من الذين يحتجبون, بل كان يضجع في الثلث الأخير من الليل دائما في مؤخرة المسجد يُعلِّمُ الناس القرآن كما كان يفعل الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم, وعموما الحديثُ له عَدَدٌ من العلل وهو ضعيفٌ.
هذا كلامه بحروفه.
ولمَّا سمعتُُ كلامه، ارتأيت أن أبين الحق بتذييل مُختصَر يكشف القناع عما التبس من الحقائق ويفصل ما أجمل منها، وجعلُته مُلْحَقًا لآخر الكتابِ مُتحاشيًّا ـ قدر الإمكان ـ ما لم تدعُ إليه الضرورة من تكرار ردود المسائل التي سبق الرَّدُّ عليها, بادئا بالمسألتين اللتين أعل بهما سند الحديث، قبل المسألتين اللتين أعل بهما متنه،كما يلي بيانه:
أولا، سند الحديث:
المسألة الأولى هي: إطلاقه في قوله السابق: (وأبو جعفر هذا غير منسوب ولامسمى فهو مجهول), وهذا مردود بأن المحاضر أجمل هنا في مقام التفصيل وتشبث بالروايات التي لم يُسَمَّ فيها أبو جعفر ولم يُنْسَبْ, والتي تقدم في الوجه الأول من الرد السابق حصرُها في خمس روايات فقط, وفي مقابلها تقدمت في نفس الوجه, وفي الوجه الخامس تسمِيَّتُهُ ونِسبَتُهُ في أربع وعشرين رواية, وتقدم التَّنبيهُ على أنَّ الراويَ إذا أُبهم في طريق وعُيِّنَ في طريق معتبَر آخر حُمل المبهَمُ على المبيَّنِ وزال الإبهام وارتفع الإشكال, ولذا فقد قال الحافظ ابن حجرفي "شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" ص24: يُستدلُّ على معرفة اسم المبهم بوروده من طريق أخرى مسمى فيها.
قلت: وهذا من علوم الحديث المعروفة التي أفردها المحدثون بالتصنيف كما تقدم عن الخطيب البغدادي في كتابه "الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة", وصنف فيه أيضًا الحافظ عبد الغني بن سعيد كتابه: "الغوامض والمبهمات", وكذا الحافظ ابن طاهر المقدسي كتابه: "إيضاح الإشكال", والحافظ ابن بشكوال كتابه: الغوامض والمهملات", وقد تواردوا كلُّهم ـ مع غيرهم ـ على حمل المُبهَمِ على المبيَّنِ, كما تقدمتْ أسماءُ سبعةٍ من حُفَّاظ الحديث جزَموا كلُّهم بأن الخطميَّ هو الذي روى عنه شعبةُ, وتقدم كذلك أنَّ للحديث ثلاث رواياتٍ أخرى غير رواية شعبة, كُلُّ واحدةٍ منها تُثبِتُهُ على انفرادها, وتَنُصُّ على أنَّ أَبا جعفر المذكور فيه هوالخطميُّ، وتقدم كذلك أن شعبة نفسَهُ صرَّح في بعض رواياته بأن أبا جعفر هذا هو الخطمي, وتقدم كذلك أنَّ نسخة الترمذي التي دخل المحاضرُ من شُبهتها, نقل ابنُ تيمية إجماعَ العلماء على خطإ مضمونها, وعلى أنَّ أبا جعفر المذكور فيها هو الخطمي, وتقدم كذلك أنَّ أكثر نُسَخِ الترمذي ليست فيها عبارة: (وهو غيرالخطمي), بل فيها أنه الخطمي, وكل هذا يبطل تعلُّق المحاضرِ بشُبهة تلك العبارة الواردة في بعض نُسَخِ الترمذي.
المسألة الثانية هي: قول المحاضر: (حتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ).
والظاهرُ أنَّ المحاضرَ وقف على تعريف ابن المدينيِّ لأبي جعفر الخطمي وهو قوله عنه Sadهو مدني قدم البصرة, وليس لأهل المدينة عنه أثر, ولا يعرفونه)، غير أن المحاضرَ فاته أنَّ ابن المديني أراد أن يبين أنَّ أهل المدينة لم يرووا عن أبي جعفر الخطمي لأنه وإن كان مدنيا وأخذ عن أشياخ المدينة كأبي أمامة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب والحارث بن فضيل الخطمي وعُمارة بن خزيمة بن ثابت وعُمارة بن عثمان بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم، فإنه انتقل إلى البصرة وعنه روى أئمةٌ حفاظٌ أثباتٌ من أهل البصرة هم: شعبة ابن الحجاج وحماد بن سلمة وهشام الدستوائي وروح بن القاسم ويحي بن سعيد القَطَّان,
ومُجمَلُ القول عن الخطميِّ أنه أنصاريٌّ مدنيٌّ, روى عن علماء المدينة دون أن يروي عنه أهلُها لأنه انتقل إلى البصرة وأقام بها, فكانت شُهرتُه وتلامذتُهُ بالبصرة دون المدينة, هذا هو الذي أراد ابن المديني من تعريفه السابق لاغير، فإن كان المحاضر فهم من تعريف ابن المديني جهالة الخطمي فلا وجه لذلك الفهم.
ومُجمَلُ القول عن المحاضر أن أقوالَه عن الخطمي متناقضةٌ، فقولُه في هذه المقابلة بجهالته متناقضٌ مع قوله في المحاضرة الأولى من البحث الأول: (فأبو جعفر الخطميُّ ثقةٌ مدنيٌّ معروفٌ). وتجهيله له في هذه المقابلة بقوله Sadحتى الخطميُّ لو قُدِّرَ أنه هو, غير معروف بالمدينة ), متناقض مع قوله فيهاSadوالخطميُّ مدنيٌّ وقد وثقه بعض أهل العلم). حيث إنَّ توثيق العلماء للراوي مناف لجهالته عندهم.
والجهالةُ مطلقًا على قسمين: جهالةُ عين وجهالةُ حال, فالأولى ترتفع برواية ثقتين عن الراوي, كما قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" ص88, 89, وابن الصلاح في "المقدمة" ص101, والعراقي في " شرحه لألفيته" ص158, والنووي في "التقريب" مع شرح السيوطي له: "تدريب الراوي" ص209 , 210, والصنعاني في "توضيح الأفكار" ج2 ص 174, 175 ,190 ,191, وغير هؤلاء.
وأبو جعفر الخطميُّ هذا روى عنه خمسةُ حُفَّاظٍ ثقاتٍ أثباتٍ, تقدمت أسماءهم, فجهالةُ العين إذن منفيةٌ عنه على الأقل.
وأما جهالة الحال فترتفع ـ في المذهب الصحيح ـ بتوثيق حافظٍ واحدٍ متيقِّظٍ عارفٍ بأسباب التَّزكيَّة, كما قال الخطيب في "الكفاية" ص96, و ابن الصلاح في "المقدمة" ص98, 99, والعراقي في "الألفية" رقم 263, وابن حجرفي "شرح نخبة الفكر" ص41, والنووي في "التقريب" والسيوطي في "التدريب" ص203, وغيرهم, وأبو جعفر الخطميُّ هذا وثقه تسعةٌ من حفاظ الحديث متيقظون عارفون بأسباب التَّزكية وهم: يحي بن معين وابن مهدي وابن نمير وابن حبان والعجلي والنسائي والطبراني والذهبي وابن حجر, ولم يَصِفه أحدٌ من حفاظ الحديث بشيء من أنواع الجرح, بل قال عنه ابن عبد البر في "الاستغناء" ج1 ص505: هوعند جميعهم ثقةٌ.
وهنا أسأل المحاضر كيف يمكن بعد كل ماتقدم جرح الخطمي هذا بالجهالة أوغيرها؟ وإن كان أخذ العلم عن أهل بلده ولم ينشره فيه ونشره في بلد آخر كيف يمكن جرحه بذلك؟ وهل عدم معرفةِ الراوي في مدينةٍ دون أخرى يَستلزمُ جهالتَهُ؟ ومتى كان ذلك جرحًا تُرَدُّ به أحاديثُ الثِّقات؟ أو سالبًا يسلبهم الثقَة الثَّابِتَةَ لهم؟ ومن قال بذلك من أئمة الجرح والتعديل؟ وفي أي كتاب من كتبهم يوجد؟ ولماذا تجرأتم على نقض الإجماع الذي نقلهُ ابنُ عبد البر على توثيق الخطمي هذا بعبارتكم التي ابتكرتم في الجرحSad لكنه غير معروف بالمدينة)؟
يـا ناطـح الجبل العالي ليهدمــه = = أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
ثانيا، متن الحديث:
أما إعلال المحاضر متن الحديث بعبارة (اللهم شفعني فيه), فهو مما أوضحتُ بطلانه في الرَّدِّ على الإعلال الثالث من البحث الأول كما تقدم, وأزيد هنا توضيحًا بأنَّ شعبة انفرد بذكر لفظةSad شفعني فيه), دون غيره من الروات كما تقدم, والصِّيغُ التي رُويت عنه في جميع رواياته ثلاثٌ,
*- الصيغة الأولى هي: الاقتصار على لفظة «شفِّعه في» وحدها.
*- الصيغة الثانية هي: «شفِّعه في وشفِّعني في نفسي».
*- الصيغة الثالثة هي: «شفِّعه في وشفِّعني فيه»أو «شفِّعني فيه و شفِّعه في»
وطريقة التّوفيق بين هذه الصيغ تكون بالجمع قبل التّرجيح، فيحمل المُبهم الغامض في قوله: « وشفّعني فيه»؛ على المبيَّن الواضح في قوله:« وشفِّعني في نفسي». خاصّةً وأن حمّادًا بن سلمة وهشامًا الدّستوائي وروحًا بن القاسم قالوا في جميع رواياتهم للحديث «وشفّعني في نفسي»؛ فلزم لذلك حمل الهاء في« وشفّعني فيه» على اعتبارها هاء السَّكْتِ، مع تشديد ياء المُتكلِّمِ قبلها لأنها أدغمت في مثلها كما تقدم بيانه في البحث الأول؛ أي « وشفّعني فِيَّهْ» أي « فِيَّ» وبهذا تنسجمُ رواياتُ شعبة فيما بينها؛ ثمّ تنسجم مع روايات الحُفَّاظ الثّلاثة الآخرين الذين رووا معه هذا الحديث عن أبي جعفرٍ الخطميّ الذي عليه مداره, أحرى وأنَّ عثمان بن عمر الذي روى عن شعبة « وشفّعني فيه» عند ابن خزيمة في صحيحه ج 2 ص225؛ رَوى عنه بدلَها عند البيهقي في الدّلائل ج6 ص166.« وشفّعني في نفسي» فلزم اتّفاق المعنى بين اللّفظين, لوحدة مخرجهما, وإنّما يتّحد المعنى بحمل الهاء على السَّكْتِ لا غيرُ, ولفظةُ:«شفِّعني فيه» تقدم نقلُ كلٍّ من روحٍ بن عبادة عند أحمد ج4 ص138, وعثمان بن عمر عند ابن خزيمة ج 2 ص225, عن شعبة أنّه شَكَّ فيها, وعثمان بن عمر الذي روى اللّفظتين عن شعبة ونَقَلَ عنه شكَّه في «وشفِّعني فيه»؛ لم يَنْقُلْ عنه أنّه شكّ في «وشفّعني في نفسي», وما لم يَشُكَّ فيه الرّاوي أولى بالقبول ممّا شكَّ فيه. ولقد كان انطلاقُ المُحاضر في إعلاله متن الحديث بعبارة (اللهم شفعني فيه) من خلال المسائل السبع التالية:
أولُها: أنه تجاهل شَك شعبة في هذه الزيادة التي انفرد بذكرها دون سائر الرواة.
ثانيتُها: أنه تجاهل أنَّ شعبة ثبتتْ عنهُ بَدَلَها عبارةُ:«شفعني في نفسي», المُوافقة لروايات الحُفَّاظِ الثلاثة الذين رووا معه هذا الحديث عن أبي جعفر الخطمي الذي عليه مدار الحديث.
ثالثتُها: أنه تجاهل روايات أؤلئك الحُفَّاظِ الثلاثة الذين لم يذكرو الزيادة, بل ذكروا مكانها:«شفعني في نفسي», التي لا لبس فيها.
رابعتُها: أنه حمل الهاءَ في الزيادة على الضمير, مما يستلزم مالا يليق وهو شفاعة الأعمى في النبي صلى الله عليه وسلم.
خامستُها: أنه لم يكترث بالجمع بين الرِّواياتِ مع الزيادة ـ على افتراض ثبوتها ـ بحمل الهاء فيها على أنها هاءُ سَكْتٍ.
سادستُها: أنه تعامل مع الحديث, وكأنْ ليس له من الطرق إلا طريق تلك الزيادة.
سابعتُها: أنه بعد أن حمل الهاء في الزيادة على الضمير استلزم ذلك محظوراً رد الحديث بموجبه, وكان الأولى له أن يرُدَّ الزيادة وحدها دون بقية روايات الحديث, فخالف بذلك منهجَ المحَدِّثين والأصوليين, الذين ينظرون في الألفاظ التي انفرد بها أحدُ الثقات, فإن كانت مُخالِفَةً منافيةً لرواية من هوأحفظ, أومن هم أكثر عددًا, وكان قبولها يستلزم رد غيرها من الروايات لتعذر الجمع على قواعد المحَدِّثين, فإنهم يُرجِّحون بينها وبين الروايات المخالفة, ويحكُمُون بترجيح رواية الأ حفظ أوالأكثرين عدداً, ويردون المرجوح,لاسيما إذا كان يلزم منه محظورٌ مثل زيادة:« شفعني فيه », إن حُمِلَتْ هاؤها على الضمير, وأما أن تُرَدَّ طُرُقُ الحديث كلُّها بسبب زيادة في بعض طرقه تفرد بها راو واحد وثبت عنه أنه شك فيها, فهذا مما لا يستسيغه العقلُ ولا تَقبلُهُ قواعدُ المحدِّثين ولا الأصوليين, ولا أعلم أحدًا فعله غير هذا المحاضر. انظر حكم زيادة الثقة في مقدمة ابن الصلاح ص77وشرح العراقي لها ص 111 وشرح نخبة الفكر لابن حجرص12 ـ13 ونكته على ابن الصلاح ص281 وهدي الساري ص347 وتدريب الراوي ص159 وتوضيح الأفكارج2 ص16ـ19.
وأما إعلال المحاضر متن الحديث بتكرير ما ورد في القصة التي في خلافة عثمان رضي الله عنه, فقد تقدم في البحث الأول ردُّهُ وإبطالُه, لأنَّ القصة وقعت في خلافة عثمان رضي الله عنه, ولايمكن إدراجُها في أصل حديثٍ وقع زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا إعلالُه بها لبداهة تَميُّزها عنهُ تاريخًا وسببًا.
ثم إنَّ قوله: (وفيه أن عثمان احتجب عن السائل ولم يلتفت إليه قبل الشفاعة), إن كان يعنى بالشفاعة أنَّ عثمان بن حنيف كَلَّمَ عثمان بن عفان في حاجة الرجل, وشفع له فيها عنده, فلفظُ عثمان بن حنيف يكَذِّبُ ذلك ويرده, لأنه قال للرجلSadما كلَّمتُه ولكن شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير...), وإن كان يعني أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي شفع للرجل في حاجته عند عثمان رضي الله عنه, فإنَّ لازمَ قوله يُفيد إمكان حصول شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره, وهذا مناف لمذهب المحاضر, ونحلته المانعة للتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم, بل إن هذا يجعل المحاضر ينقض غزله, ويهدم ما أسسه.
وأما قولُه في مختم كلامهSad وعمومًا الحديثُ له عَدَدٌ من العلل), فينبغي له أن يُفصِّل لِلسَّائل العلَلَ المزعومةَ, وأن لا يُلقي الكلامَ على عواهنه هكذا, لأنَّ هذا الحديث تقدم في البحث الأول أنه لم يضعّفه أحدٌ من الحفّاظ الذين خرّجوه في كتبهم ولا من الحفّاظ الذين لم يخرّجوه, وقد نصّ على صحّته : جمعٌ كبيرٌ من حفّاظ الحديث ومن العلماء المحدّثين من بينهم : التّرمذيّ في كافة نسخ سننه, وابن ماجه في سننه(1/441), والطّبراني في الصّغير (1/184), والحاكم في المستدرك (1/313), والذّهبي في تلخيصه له, والسّيوطي في الجامع الصغير (رقم 1508) والحافظ أبو عبد الله المقدسي كما قال ابن تيمية في قاعدته (ص98), وفتاويه(1/274), كما صحّحه ابن خزيمة بإخراجه له في صحيحه(ج 2 ص 225 ), وحتّى ابن تيميّة نفسه صرّح في قاعدته (ص 132), وفتاويه(1/323) بصحّة هذا الحديث, وكذلك الألباني في توسّله (ص 76 ؛93). حيث صرّح بأنّ هذا الحديث لا شبهة في سنده ولا شكّ في صحته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم.
تم التذييل بفضل الله وعونه من إنشاء وإملاء
محمد مفتاح ابن صالح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب حديث الضرير في التوســـــــــــــل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديـــــات علي بن خـــــــزان :: قسم المنتديات العامة :: مكتبة بن خزان للأرشيف و المخطوطات-
انتقل الى: